لم يكن يتوقع أحد وعلى رأسهم نجيب ساويرس نفسه أن يأتي اليوم الذي يواجه فيه مصيراً مشابه للرئيس السابق محمد حسني مبارك، فإذا كان مبارك وبعد ثلاثين عاماً من النفوذ والسلطان خُلع بإرادة الشعب من الحياة السياسية، فإن ساويرس قد يواجه نفس المصير وربما بخسارة أفدح، فالاتهامات ضده عديدة، دينية وسياسية واقتصادية، ولكن أكثرها خطورة تلك التي مست الأمن القومي المصري، وهي اتهامات إن صحت تضع ساويرس وشركاته أمام مأزق حقيقي، قد تكون سبباً في خلعه ليست فقط من الحياة السياسية، ولكن من قطاع الاقتصاد المصري بأكمله.
التخابر مع الكيان الصهيوني
الرجل يرى أنه يتعرض لحملة شرسة من قبل خصومة بعدما قرر أن يخوض معترك الحياة السياسية عقب ثورة يناير بإنشائه حزب "المصريين الأحرار"، بيد أن الاتهامات ضده وضد شركاته عديدة، صحيح أن أغلبها مجهولة المصدر، إلا أنه هناك أيضا اتهامات معلومة المصدر، أكثر تلك الاتهامات خطورة تلك التي وجهها أمن الدولة لساويرس وشركته "موبينيل" حول تورط الشركة في التخابر مع إسرائيل ضد بلاده.
ورغم أن نيابة أمن الدولة لا تزال تحقق في قضية التجسس والمتهم فيها الجاسوس الأردني بشار إبراهيم أبوزيد وأوفير هراري ضابط المخابرات الإسرائيلي، إلا أن ما جاء في التحقيقات ـ حتى الآن ـ مثل مفاجأة للجميع، فقد أثبتت التحريات تورط شركة "موبينيل" في القضية بسبب إقامة أبراج تابعة للشركة في منطقة العوجة على الحدود المصرية الإسرائيلية ـ رغم أن المنطقة خالية تماما من السكان ـ وذلك لتمرير المحادثات الهاتفية إلي جهاز المخابرات الإسرائيلي لداخل تل أبيب وكشفت التحقيقات أن عدد الذين تم التحقيق معهم بشركة موبنيل خمسة موظفين علي رأسهم نجيب ساويرس نفسه، وإسكندر شلبي رئيس مجلس إدارة الشركة الحالي والعضو المنتدب.
مصدر قضائي صرح لصحيفة الأهرام بأن نيابات أمن الدولة العليا سوف تواصل تحقيقاتها مع عدد من المسئولين الآخرين بشركة موبينيل من بينهم الذين قاموا بتوجيه الإرسال إلي تل أبيب مما أدي إلي مساعدة الجاسوس الأردني بشار أبوزيد في تنفيذ توجيهات ضابط الموساد الإسرائيلي، وكذلك التحقيق مع أمن البرج المكلف بحراسته مما أدي إلي قيام مهندس الاتصالات الأردني بشار في الصعود إلي تلك الأبراج وتركيب الأجهزة الخاصة بالتنصت علي جميع المكالمات.
كما يتم التحقيق أيضا في عملية وصول وبيع شرائح "موبينيل" مجهولة الهوية بالشوارع مما ساعد علي سهولة وصولها إلي الجاسوس الأردني وتهريبها إلي ضابط الموساد الإسرائيلي في لعبة أطفال دمية وكتيب حيث تم تهريب 800 شريحة تم استخدامها في تمرير المكالمات الدولية مما أدي إلي إهدار الأموال علي الجهاز القومي للاتصالات وأموال الدولة والتسبب في الضرر الكبير للبلاد بمساعدة إسرائيل للتنصت وتسجيل المكالمات الدولية الواردة للبلاد أثناء مرورها بالانترنت الإسرائيلي, وأجهزة التمرير الخاصة بالتنصت.
نجيب ساويرس متهم
ساويرس نفى ـ خلال استجوابه ـ هذه الاتهامات، بيد أن ردوده لم تقنع أحدا، فقد جاءت أقواله في تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا والتي نشرتها جريدة الدستور وكأننا أمام مبارك آخر، بدا وكأنه رجل أعمال صغير، ذي خبرة قليلة، غير ملم بتفاصيل مهمة تحدث في شركته، فقد نفى ساويرس معرفته لأي أمر بإنشاء محطات تقوية على الحدود مع إسرائيل وقال إن تركيب تلك المحطات عمل فني بحت لا يتدخل فيه أي شخص. وأوضح عدم معرفته بما كشفته النيابة بوجود أبراج تقوية موجهة لإسرائيل وأنه لو كان يعلم وجود تهديد على أمن مصر القومي لاتخذ الإجراءات اللازمة !
المثير أن الاتهامات ضد ساويرس لم تأت فقط من قبل خصومه، ولكن من بعض مناصريه ومؤيدي فكره السياسي، فقد هدد عدد من أعضاء حزب "المصريين الأحرار"، الذي أسسه ساويرس بسحب الثقة منه ومقاضاته بتهمة الخيانة العظمى إذا لم تعلن شركته "اوراسكوم افييشن للطيران"، التي يمتلكها التوقف عن تسيير رحلاتها إلى الكيان الصهيوني، وذلك عقب الهجوم الإسرائيلي على القوات البرية المصرية ومقتل عدد من الجنود على الحدود.
ويقول سمير مرقص عضو الحزب، أن الأمر هنا ليس له علاقة بدين وإنما يتعلق بكرامة وطن، مؤكدا أنه مع الاستقالة من الحزب إذا لم يوضح المهندس نجيب ساويرس موقفه من التعامل مع "إسرائيل"، سواء في رحلات الطيران التي يقوم بتسييرها أو مشروعاته وأنشطته التجارية بـ"إسرائيل".
لا يمكن أن ننكر أن للرجل خصوم كثر، إلا أن خبرته السياسية القليلة كانت أكثر خصومه شراسة، فالرجل تعامل مع السياسة وكأنه شخص عادي لا يملك حصصا مؤثرة في القطاع المصري، ومن هنا جاءت تصريحاته وآراءه السياسية غير موفقة، صادمة في كثير من الأحيان، خاصة تلك نالت من فصيل قوي كجماعات الإسلام السياسي.
ولا يخفى على أحد العلاقة المتوترة التي تربط الإسلاميين برجل الأعمال القبطي، حيث تتهم قوى الإسلام السياسي ساويرس بأنه يحاول تشويه صورة الإسلاميين أمام الرأي العام المصري، وأنه يناصر التيار العلماني الذي يرفض وجود دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية في مصر، كما يتهم الإسلاميون ساويرس بأنه يقوم بالتنسيق مع قوى خارجية، لإقصاء الإسلاميين عن الساحة السياسية المصرية، وبحسب قوى إسلامية كانت أخر تلك المحاولات هو لقاء سري جمع رجل الأعمال القبطي المصري وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة واتفق معها على شن هجوم على التيار الإسلامي.
وتقول الأنباء إن ساويرس اتفق مع السفيرة الأمريكية على بدء حملة من خلال بعض الكتاب ووسائل الإعلام للترويج للكتلة المصرية التي يشارك فيها حزب المصريين الاحرار وعدد قليل من الأحزاب وفى نفس الوقت الاتفاق مع بعض الكتاب ووسائل الإعلام للنيل من "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" الذي يضم 34 حزبا من بينها حزبا الوفد والحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان.
وكان ساويرس قد تعرض لمقاطعة اقتصادية كبيرة في مصر بعد أن نشر على حسابه الشخصي على موقع تويتر، رسومات مسيئة للإسلام، ورغم اعتذاره آنفا عن هذه الرسومات، إلا أن شركته "موبينيل" تعرضت لخسائر مالية فادحة، فقد وصل عدد العملاء الذين طلبوا التحويل إلى شركات أخرى منافسة في مصر بسبب حملات المقاطعة إلى ما يقارب المليون عميل، كما تأثرت قدرة الشركة ـ بشدة ـ في على إضافة عملاء جدد.
وأمام ما يواجهه نجيب ساويرس من أزمات تسربت أنباء عن عزمه بيع حصته في "موبينيل" لشركة فرانس تليكوم ويعزز هذا الاتجاه أيضا اتفاقية التسوية للنزاع بين أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم في مايو 2010 والذي نص على وجود خيار بيع لأسهم موبينيل لشركة فرانس تليكوم خلال عامين من توقيع الاتفاق.
ورغم نفى ساويرس لهذه الأنباء، إلا أن قضية التخابر الأخيرة ستؤثر كثيراً على أداء الشركة ومصداقيتها أمام الرأي العام المصري. وقد أكد عدد من المحللين في البورصة المصرية التكهنات بقيام ساويرس ببيع حصته في موبينيل، مشيرين إلى تردد أنباء قوية عن وصول رئيس شركة فرانس تليكوم إلى مصر في زيادة بعد عيد الفطر لإتمام الصفقة.