بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد
أحبتي في الله/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
في هذه الآية الكريمة وما بعدها:
1- بيان شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وشرف أمته.
2- وفيها بيان فضل الله عز وجل على هذه الأمة، أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أرسل إليهم أشرف رسول، وأنزل عليهم أفضل كتاب، وهداهم إلى أحسن قبلة، وجعلهم شهداء على الناس أي على الأمم كلها، وجعل الرسول عليهم شهيدا.
3- وفيها بيان أن كل أمر من الله عز وجل فهو نعمة منه سبحانه، فالله عز وجل أنعم علينا بالشرع المتين، وتمت نعمـة الله عز وجل على المسلمين بكمال الدين، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم عرفة في حجة الوداع: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
في هذه الآيات الكريمات كذلك:
4- بيان أن الذي يعترض على أمر الله عز وجل سفيه، والسفيه هو ضعيف العقل، قال تعالى: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أخبر الله عز وجل نبيه بكلام السفهاء قبل أن يقولوه، وفي ذلك آية ومعجزة.
قيل: السفهاء هم اليهود، وقيل: مشركوا مكة، وقيل: المنافقون، وكلهم سفهاء، وكذا العلمانيون الذين يعترضون على شرع الله عز وجل ويتهمونه بالقصور عن مسايرة ركب الحضارة والمدنية، فهؤلاء ولا شك من أسفه السفهاء، إنهم يبغضون الإسلام لأنهم إذا أشرقت شمسه فهم أول من تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، لأنهم يعيثون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله تعالى.
لما نزل تحويل القبلة اعترض السفهاء اليهود والمشركون والمنافقون، فقالت اليهود: ترك قبلة الأنبياء قبله.
وقال مشركو العرب: توجه إلى قبلتنا ويوشك أن ينقلب بكليته إلى ديننا.
وقال المنافقون: إن كانت القبلة التي توجه إليها أولا هي الحق فقد ترك الحق، وإن كانت القبلة التي توجه إليها ثانيا هي الحق فقد كان على الباطل قبل ذلك.
فأجاب الله عز وجل عن شبه السفهاء بقوله سبحانه: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أي أن الجهات كلها ملك لله عز وجل، فلا يستحق شيء منها لذاته أن يكون قبلة، إنما تصير قبلة لأن الله تعالى جعلها قبلة، فلا اعتراض على أمر الله تعالى بالتحويل من جهة إلى أخرى، وما أمر به فهو الحق،يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ثم بين سبحانه وتعالى شيئا من فضله على هذه الأمة وعلى رسولها صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.
والمعنى: كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القِبَل وأفضلها، جعلناكم أمة وسطا أي عدولا أخيارا،لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال: لأمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك، فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليهم شهيدا ، فذلك قوله جل ذكره: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، فقال عمر: ما وجبت ؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار.
ثم بين الله عز وجل شيئا من حكمته في جعل القبلة أولا إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك وجعل القبلة الكعبة المشرفة، فقال عز وجل: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
أي جعل الأمر كذلك ابتلاء واختبارا، حتى يظهر من يسلم لأمر الله عز وجل ونهيه، ومن يظهر شكه واضطرابه.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى: لقد ارتد عن الإسلام بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة ممن كان قد أسلم، وأظهر كثير من المنافقين نفاقهم، وقالوا ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا ومرة إلى ههنا.
ثم قال تعالى: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
أي ولقد كان تحويل القبلة أمرا شاقا على النفوس، إلا على الذين هدى الله، وذلك بتسليم الأمر لله عز وجل، فإن الله
تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وله الحكمة التامة والحجة البالغة.
ثم بين عز وجل أنه من رحمته بعباده المؤمنين لا يضيع أعمالهم، فكيف يظن الناس أن صلاتهم إلى بيت المقدس بطلت؟ فقال تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
عن البراء رضي الله عنه قال: وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله عز وجل: وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم.
ثم قال تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام.
في هذه الآية حسن أدب من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنه تمنى أن يصلي إلى الكعبة ولكنه لم يسأل الله تعالى ذلك، بل انتظر حتى جاءه أمر الله تعالى بالصلاة إلى الكعبة.
عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، فأمره الله عز وجل باستقبال المسجد الحرام، فقال تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره....
ثم يقول سبحانه: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون.
نسأل الله عز وجل أن يتم علينا النعمة، وأن يميتنا على ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت هذه إخوة الإسلام قصة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، كما ذكرها القرآن الكريم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته