"فعلتها الحكومة".. هكذا عبَّر المواطنون في مصر عن سخطِهِم، حينما استغلَّت الحكومة إلهاء الناس في الفرح بفوز منتخب الكرة بكأس الأمم الإفريقية، وسحبت أنابيب الغاز من الأسواق، الأمر الذي خلق أزمةً كبيرة أوصلت سعر الأنبوبة إلى عشرات أضعافها، وفيما اتهمت قوى المعارضة الحكومة المصرية بالتسبب في الأزمة نتيجة تصديرِها للغاز المصري بأرخص الأسعار إلى إسرائيل ومحاولاتها رفع أسعاره محليًّا، حملت الحكومة الجزائر المسئولية لأنها امتنعت عن توريد غاز الصب لمصر لعدم تسديدها لأموالٍ متأخرة عليها.
فقد تصاعدت ما سميت بـ "حرب البوتاجاز" في مصر بشكلٍ لافت بعد ارتفاع سعر الأنبوبة لأكثر من 50 جنيه للأنبوبة الواحدة رغم أن سعرها الأصلي كان لا يتعدى الأربعة جنيهات، وقد شهدت عدة مناطق بمحافظات الجيزة و٦ أكتوبر وحلوان مشاجرات بين المواطنين، استخدموا فيها "السيوف والسِّنَج والأسلحة البيضاء"، مما أسفر عن مصرع مواطن وإصابة عدد آخر، وسقوط عدد من كبار السن مغشيًّا عليهم، بسبب التدافع للحصول على الأنابيب.
فـ60 مليار متر مكعب تنتجها مصر سنويًّا من الغاز، إلا أن نصيبها فيها لا يتجاوز 65%، وتذهب الحصة المتبقية للشركاء الأجانب، الذين يستثمرون في هذا القطاع، وتقوم وزارة البترول بتصدير 19 مليار متر مكعب من نصيبها سنويًّا، وهي كمية مرشحة للزيادة خلال العام المقبل.
وهناك جدل دائم وقديم بين الحكومة والخبراء حول مسألة الغاز في مصر، والاحتياطيات الفعلية الموجودة منه، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات الخبراء بضرورة تأمين احتياطيات مصر من الغاز، لضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، في ظلّ توقعاتٍ تشير إلى قرب نضوب احتياطيات مصر من البترول، تقوم الحكومة يومًا تلو الآخر بتوقيع عقود جديدة لتصدير الغاز بأسعار زهيدة، مقارنةً بالأسعار العالمية.
تصدير واستيراد
قمة العجب والغرائب، أمر الحكومة المصرية، التي تصدر غازها الحر إلى إسرائيل ضاربةً بكل قرارات المحاكم بوقف هذا التصدير عرض الحائط، ثم تستورد غيره من الجزائر والمملكة العربية السعودية.
فحسب اتفاقية تم توقيعها العام 2006 بالقاهرة، بين وزير البنية التحتية الإسرائيلية "دافيد بن إليعازر" ووزير البترول المصري سامح فهمي، بدأ مخطط تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار وُصِفت وقتها بأنها أرخص أسعار الغاز في العالم، وأنه لا يمكن لإسرائيل أو لأي دولة في العالم أن تحصل على غاز بهذا السعر إطلاقًا إلا عبر حكومة مثل تلك التي تحكم مصر.
وبعد التوقيع قال بن إليعازر: "إنه اتفاق تاريخي، فهي المرة الأولى في تاريخ دولة إسرائيل تحصل على غاز من دولة عربية ولمدة طويلة وبضمانات حكومية"، وبذلك أصبح توريد الغاز المصري بضمانة حكومية، وليس اتفاقًا تجاريًّا يمكن للحكومة المصرية أن تتحلل منه، وقد لوحظ أيضًا عدم مناقشة مجلس الشعب له لأنه تم على أساس كونه "مذكرة تفاهم".
وبدا من الاتفاق أن إسرائيل هي فقط من خرجت فائزة، خاصة فيما يخص الاتفاق على السعر والذي يرتبط بعشرين عام مقبلة، وبعد تعتيم شديد وإخفاء للسعر، ولمدة طويلة، تبين أنه سعر رخيص للغاية، وبعض الصحفيين وصفوه بأنه سعر سياسي، لأنه لا يماثل الأسعار المباع بها الغاز لدول أخرى، كما أنه لا يخضع لقاعدة "التعديل" Escalation clause ، التي تربط تحرك السعر بارتفاع أسعار البترول والغاز في السوق العالمية، وقد كُشف فيما بعد أن السعر يدور حول 75 سنتًا للمتر المكعب، بينما الأسعار العالمية في حدود 5 إلى 7 دولارات آنذاك.